يعاني منه نحو 4 ملايين طفل وامرأة.. سوء التغذية الحاد سلاح يغتال الأرواح في أفغانستان
يعاني منه نحو 4 ملايين طفل وامرأة.. سوء التغذية الحاد سلاح يغتال الأرواح في أفغانستان
أزمة جديدة تضاف إلى حزمة أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية تشهدها أفغانستان منذ أكثر من 3 سنوات، إذ يهدد سوء التغذية حياة الملايين، لا سيما الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات، حيث يعاني البلد الآسيوي من أزمة غذائية حادة تفاقمت جراء عوامل الجفاف، والنزوح، والبطالة، وتدهور الأوضاع المعيشية.
وبحسب بيان مشترك للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، اليوم الأربعاء، فإن الوضع في أفغانستان يزداد سوءًا مع اقتراب فصل الشتاء، ما يهدد بحصد أرواح الآلاف إذا لم تتخذ تدابير عاجلة، حيث يعاني ملايين الأشخاص من انعدام الأمن الغذائي بواقع 3.2 مليون طفل دون سن الخامسة و840 ألف امرأة حامل ومرضعة.
ووفق مؤشر الجوع العالمي الصادر في أكتوبر الجاري، فإن 1.7 مليون طفل في أفغانستان يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد، ما يعرضهم لمخاطر كبيرة تشمل الوفاة المبكرة والتأثيرات طويلة الأمد على النمو الإدراكي، إذ كشف نتائج فحص آلاف الأطفال والنساء أن 68 بالمئة من الأطفال و62 بالمئة من النساء يعانون من سوء التغذية الحاد.
وبلغت نسبة وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية والمضاعفات المرتبطة به 6.4 بالمئة، وهو ما يتجاوز بكثير الحد الموصى به عالميًا البالغ 3 بالمئة، كما تزداد هذه النسب بشكل يومي، ما يزيد الضغط على المرافق الصحية التي تعاني من نقص الإمدادات والقدرات.
تفاقم الأزمات
وأسهمت الحروب والصراعات المستمرة على مدى سنوات بأفغانستان في تفاقم أزمة الفقر المدقع والبطالة وانهيار النظام الصحي، إضافة إلى فترات الجفاف المتكررة التي أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي، ما أدى إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية، لا سيما في ظل صعوبة وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق النائية بالبلاد.
وشهدت أفغانستان 40 عاما من الحرب تركت البلاد فيها ملاذا للفقر والجوع والجهل والبطالة، ثم عادت حركة طالبان إلى السلطة مجددا قبل ثلاثة أعوام لتزيد الأمر سوءا.
ولم تعترف أية دولة بالعالم رسمياً حتى الآن بالحكام الجدد الذين أحكموا قبضتهم على أفغانستان مجددا، إذ اتفق المجتمع الدولي ضمنيًا على عزل طالبان دولياً بعد توليها الحكم، واشترط للاعتراف الرسمي بالحكومة واستئناف العلاقات الدبلوماسية، صون حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، وتشكيل حكومة ائتلافية.
وقد وضعت سياسة طالبان بعد أكثر من ثلاث سنوات من توليها الحكم، حكومات العالم أمام معضلة؛ فلم تبد استعدادها للقبول بالحل الوسط، بل ازدادت صرامة في تطبيق نهجها المتطرف، ولعل إصدارها تشريع باسم "قانون فضيلة" في أغسطس الماضي، والمتضمن قواعد متشددة أكثر على اللباس والسلوك، لا سيما الخاصة بالمرأة، هو أكبر دليل على ذلك.
تحديات كارثية
وتقوم المنظمات الأممية الإنسانية مثل برنامج الأغذية العالمي واليونيسف بتقديم مساعدات غذائية للأطفال والأسر المحتاجة في أفغانستان، لكنها عادة ما تواجه تحديات صعبة بسبب الأوضاع الأمنية والتوترات والتضييقات على عمليات الإغاثة الإنسانية في البلاد.
وأدت الصراعات المسلحة والنزوح الداخلي إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي، حيث تفقد الأسر مصادر دخلها وتواجه صعوبات في الحصول على الغذاء والمياه النظيف، وتفاقمت المشكلة في السنوات الأخيرة نتيجة الأزمات السياسية وتغير الحكومة في عام 2021، ما أدى إلى تفاقم التحديات اللوجستية التي تواجهها المنظمات الإنسانية في تقديم المساعدات الغذائية.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية بين الأطفال في أفغانستان بصورة لافتة، حيث يعاني العديد من الأطفال من التقزم (انخفاض الطول مقارنة بالسن) والهزال (انخفاض الوزن مقارنة بالطول)، وكلاهما نتيجة نقص التغذية المزمن.
ويعاني غالبية السكان من صعوبة الحصول على الغذاء المناسب بسبب الفقر، إذ تسهم الظروف الاقتصادية الصعبة في ارتفاع معدلات سوء التغذية، خصوصاً بين الفئات الضعيفة مثل النساء والأطفال وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة وذوي الاحتياجات الخاصة.
وبحسب تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، يعاني نحو نصف الأطفال تحت سن الخامسة في أفغانستان من سوء التغذية الحاد أو المزمن، حيث تقدر النسبة الإجمالية لسوء التغذية الحاد بين الأطفال بنحو 10-15 بالمئة، بينما يعاني نحو 40 بالمئة من التقزم، وهي حالة مزمنة ناتجة عن نقص التغذية لفترات طويلة.
كما تشير تقارير برنامج الأغذية العالمي إلى أن أكثر من 15 مليون أفغاني (إجمالي تعداد السكان نحو 40 مليون) يعانون من انعدام الأمن الغذائي، حيث يعاني نحو 6 ملايين منهم من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وتتفاقم الأوضاع في المناطق الريفية، حيث يعتمد الكثيرون على الزراعة وتربية المواشي كمصدر رئيسي للغذاء، لكن الصراعات والجفاف تؤدي إلى تقليص الإنتاج الزراعي بشكل كبير.
ويعاني 3.2 مليون طفل دون سن الخامسة و840 ألف امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد في أفغانستان، ومن بين هؤلاء يعاني 1.7 مليون طفل من سوء التغذية الحاد الشديد والمضاعفات الطبية المرتبطة به، وهو الوضع الذي جعلهم عرضة للوفاة المبكرة ومضاعفات أخرى مدى الحياة بما في ذلك ضعف الأداء الإدراكي وتأخر النمو.
كابوس طالبان
بعد سيطرة حركة طالبان المتشددة على أفغانستان في أغسطس 2021، واجهت المساعدات الدولية صعوبات في الوصول إلى المتضررين، كما ازدادت هذه التحديات نتيجة العقوبات الدولية وتجميد الأموال الأفغانية، ما أدى إلى نقص حاد في الموارد الغذائية والرعاية الصحية.
وتؤكد المنظمات الإنسانية الأممية في أكثر من مناسبة الحاجة الملحة إلى دعم مستمر للبرامج الإنسانية التي تقدم إلى أفغانستان بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، لكنها عادة ما تواجه تحديات كبيرة بسبب عدم كفاية التمويل وازدياد الاحتياجات.
ويعتبر الجفاف المستمر في البلاد واحدًا من أسوأ فترات الجفاف في العقود الأخيرة، وقد أثر بشكل كبير على القدرة على إنتاج الغذاء، ما دفع الكثير من العائلات إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية بشكل كامل، كما أن استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية مع تحديات تغير المناخ يشكل ضغطًا كبيرًا على الوضع الغذائي والصحي في أفغانستان، ما يجعل الحاجة إلى استجابة دولية عاجلة وواسعة النطاق أمرًا حيويًا.
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، تعد أفغانستان أكثر عرضة لخطر المجاعة منذ ربع قرن، حيث يتبع نحو نصف العائلات أساليب للتأقلم مع الأزمات في سبيل البقاء على قيد الحياة، لا سيما أن الملايين في أفغانستان يعتبرون المساعدات الغذائية التي تقدمها المنظمات الإغاثية هي "شريان الحياة الأخير".
وتقول المنظمة الأممية إن مستويات سوء التغذية الحاد وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق منذ أغسطس 2022، حيث لا تستطيع 9 عائلات أفغانية من أصل 10 تحمل تكاليف ما يكفي من الغذاء، وهو أعلى معدل في العالم، ونحو 20 مليون أفغاني لا يعرفون من أين ستأتي وجبتهم التالية، من بينهم 6 ملايين شخص على حافة المجاعة.
ويحتاج ثلثا السكان –أكثر من 28 مليون شخص- إلى مساعدات إنسانية في عام 2023، أي ثلاثة أضعاف ما كانت عليه الحال في عام 2021، وسط نقص مزمن في التمويل الإنساني فيما تستعد المجتمعات المحلية لمواجهة فصل الشتاء القارس.
مصير محتوم
بدوره، قال مدير الاتصال في منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" دانييل تيم: "إذا لم يتم اكتشاف مرض سوء التغذية في العامين الأولين بعد الولادة، فإن تأخر النمو لا يمكن علاجه ولن يتمكن الطفل من النمو الذهني والجسدي بشكل كامل".
وأضاف تيم في تصريحات صحفية أن "هذا الأمر له أيضا تأثير خطير على التنمية وعواقب إنمائية واقتصادية واجتماعية وطبية خطيرة ودائمة على الأفراد في البلاد بشكل عام".
فيما أوضح رامز الأكبروف، نائب الممثلة الخاصة للأمين العام، والمنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية إن السكان في أفغانستان يواجهون أزمة من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية أدت إلى الزيادة السريعة في عدد من يعانون من الجوع الحاد إلى اتخاذ تدابير يائسة.
وقال الأكبروف: "تسببت هذه المقايضات غير المقبولة في معاناة لا توصف، وقللت من جودة وكمية وتنوع الأغذية المتاحة، وأدت إلى مستويات عالية من الهزال لدى الأطفال، وغيرها من الآثار الضارة على الصحة البدنية والعقلية للنساء والرجال والأطفال".
وبحسب البيانات الدولية، تدهورت الأوضاع بشكل كبير بين شهري مايو وسبتمبر 2024، عندما وصلت سوء التغذية إلى مستويات غير مسبوقة ومثيرة للقلق، ما دعا إلى بذل جهود إنسانية متضافرة لإنقاذ الأرواح من الموت، حيث كانت مقاطعتا قندهار وباكتيكا من بين المقاطعات الأكثر تضرراً في أفغانستان.
ومن المتوقع أن يتدهور الوضع والوفيات بشكل أكبر مع بداية قدوم فصل الشتاء، ومن ثم هناك حاجة إلى الحد من الجوع الحاد قبل ذروته بين شهري ديسمبر وفبراير المقبلين لتجنب خسائر كبيرة في الأرواح.
تتزايد حالات سوء التغذية الحاد في أفغانستان، ما يفرض المزيد من الضغوط على الإمدادات والقدرات المحدودة المتاحة للمرافق الصحية وفرق الصحة النفسية القائمة، ومن ثم الحاجة إلى استجابة عاجلة من خلال تخصيص صندوق الطوارئ للإغاثة في حالات الطوارئ.
وتقول المنظمات الصحية الدولية إنه بدون التدخل العاجل، ستكون النساء الحوامل معرضات لخطر ولادة أطفال منخفضي الوزن عند الولادة يعانون تشوهات خلقية أخرى ذات صلة، والتي قد لا يتم علاجها طوال حياتهم وستكون لها آثار دائمة على النمو والتطور والإدراك.
يشمل سوء التغذية بجميع أشكاله، نقص التغذية (الهزال، والتقزم، ونقص الوزن)، ونقص الفيتامينات أو المعادن، وزيادة الوزن، والسمنة، وما ينجم عن ذلك من أمراض غير سارية مرتبطة بالنظام الغذائي، ويتسبب نقص التغذية في ما يقارب نصف وفيات الأطفال دون سن الخامسة، وهي وفيات يقع معظمها في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.